وأنا في وسط المغرب، برد قارس ومطر شديد يفتك بأجسادنا وعظامنا المغلوبة على أمرها.. في هذه الاجواء بالضبط، ونحن المتواجدون في السهل وفي محيط تتوفر فيه كل شروط العيش الكريم، يأخذني قلبي قبل عقلي إلى أعلى قمم جبال الأطلس، هناك إلى اخواني ممن يشاركونني الديانة والجنسية، هناك إلى جبال قد ابيضت ثلجا، وتجمدت بردا وفاحت منها رائحة الجوع... إلى أناس حكمت عليهم الاقدار أن يعيشوا حياة العزلة والفقر، حياة الحرمان والحاجة، حياة البؤس والألم...
في فصل الشتاء، تتحول قرى الأطلس إلى مناطق معزولة عن العالم، طرق (إن امكن تسميتها بطرق) حكم عليها الثلج بالتوقف عن اداء مهمتها، و اشجار لم يتبقى منها الا اغصان عارية تضطر النساء الى حمل المعول وقطعها لتدفئة الاطفال المرتعشون من البرد داخل المنزل. اما الرجال فلا حول لهم ولا قوة، فمن لم يهاجر الى مدينة بعيدة لتأمين لقمة العيش لم يجد بدا من الدعاء، فلا مصانع هناك ولا مشاريع مدرة للدخل إلا أرض ومواشي وحرمان من الجهات...
أنفكو، تونفيت، إملشيل وتامالوت، كلها قرى ينطبق عليها ما سبق ذكره، سكانها لا يتحدثون العربية ولا يفهمونها، وحتما لو وضعنا أحدهم في العاصمة الرباط لتسمر في مكانه لشده الغربة، نعم، غربة وضياع داخل الوطن الحبيب.
نساء هذه القرى لا يطلبن نوادي رياضية أو أماكن ترفيهية، مطلبهم هو مستشفى قريب يستطعن فيه وضع مواليدهن الذين يتوفون، في كثير من الاحيان، من شدة البرد وسوء ظروف الوضع.
أطفال هذه القرى لا يطلبون 'آيباد' أو 'بلايستيشن'، بل مطلبهم مدرسة وكتب، بل قبل ذلك ملابس قطنية تقيهم قر الصقيع، كيف لا وهم الذين ملوا من ارتداء أكياس بلاستيكية لسد الثغرات التي ينفذ منها البرد في ملابسهم البالية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق